رمضان فلسطين.. ثقافة الحاضر بلغة الماضي | ||||
على مر العصور واختلاف الأزمنة وأمام رحى التكنولوجيا والتطور احتفظ رمضان فلسطين بسمات وعادات ومظاهر ثقافية خاصة تناقلتها وتوارثتها الأجيال جيلاً بعد جيل وبقيت خالدة في ذاكرة التاريخ. تبدأ فلسطين في الاحتفال بشهر رمضان بمجرد رؤية هلاله (سواء في فلسطين أو في بلد مجاور عملا بمبدأ وحدة المطالع)، حيث تصدح المساجد بالدعاء والابتهالات معلنة الصيام، ويتجه المسلمون إلى المساجد ليؤدوا صلاة التراويح، وتخرج جموع الأطفال تحمل الفوانيس التي تعد من التقاليد القديمة السارية المفعول حتى اللحظة، ويحرص أولياء الأمور على إدخال البهجة على نفوس أطفالهم من خلال شرائها لهم. مسحراتي ومدفع كثيرةٌ هذه العادات الفلسطينية الرمضانية التي تندمج مع روح العصر وتتأقلم معه محافظة على سماتها وأصالتها.. ومن بين هذه العادات قيام "كبير العائلة" أو من ينوب عنه بزيارة أرحامه وتقديم الهدايا بمناسبة حلول الشهر الفضيل، وغالباً ما يتم هذا الأمر بعد الإفطار. وكغيرها من البلدان تصحو فلسطين على صوت "المسحراتي" بطقوسه المصاحبة لقدومه كالنقر على الطبل بقوة، وذكره لله عز وجل، والأناشيد الرمضانية العذبة التي تُوقظ النيام: "اصحى يا نايم.. وحد الدايم"، وتشعرهم بجمال هذا الشهر وأهمية "المسحراتي" بعيداً عن نغمات الجوالات المتعددة والمختلفة. وبعد انسحاب جيش الاحتلال الإسرائيلي من الأراضي الفلسطينية يأمل فلسطينيو غزة أن يسمعوا مدفع الإفطار بعيداً عن الغارات الإسرائيلية التي طالما أقلقت حياتهم وعكرت أجواء رمضان الكريم. وبالرغم من اقتناء غزة مدفعا أثريا قديما برونزي اللون، مثبتا على منصة رمزية أقامتها بلدية مدينة غزة قبل عدة سنوات بوسط المدينة، حيث كان يطلق قذائف صوتية وقت الفطور مع أذان المغرب في كافة أيام شهر رمضان قبل احتلال غزة عام 1967، فإنه سيظل عاجزًا عن تلبية رغبة الغزويين بإحياء تقليد يتذكره كبار السن في هذه المدينة الفقيرة والسبب أنه: قديم ومعطل. ويوضح ناصر الصوير مسئول الإعلام في بلدية غزة أن هذا المدفع الذي عُثر عليه قديماً في مخزن تابع للبلدية كان يحيي تقليد مدفع الإفطار في رمضان زمن الحكم العثماني لفلسطين والذي انتهى في 1918. وأضاف قائلاً: "إن تجديد مدفع رمضان فكرة جيدة ومطروحة، لكن المشكلة أن المدفع غير متوفر لدى البلدية، وتجرى اتصالات مع الجهات المختصة في السلطة الفلسطينية لتوفيره". ويأمل الغزويون في إحياء تقليد مدفع رمضان خصوصاً هذا الشهر؛ لأنه ولأول مرة يجيء دون احتلال. المائدة الفلسطينية ويتميز الشعب الفلسطيني منذ عقود طويلة عن غيره من الشعوب بأصناف معينة من الطعام والشراب في شهر رمضان. وتكاد تتسم كل منطقة بنوع معين من الأكلات فها هي المقلوبة والسماقية والمفتول والقدرة تغزو موائد غزة، بينما يتربع على عرش موائد الإفطار في الضفة الغريبة المسخن والمنسف، ولا تخلو موائد الإفطار الفلسطينية من المتبلات والمخللات بأنواعها والسلطات المختلفة لفتح الشهية بعد صوم عن الطعام طوال النهار. وتجدر الإشارة هنا إلى أن تبادل الإفطار الأسري برنامج لا يغيب عن أجندة العائلات الفلسطينية في شهر رمضان وتتفنن ربات البيوت في إعداد الأكلات والتباهي بأشهاها. وبالطبع فإن التمور بمختلف أشكالها وأنواعها عروس مائدة الإفطار الفلسطينية. وإلى جانب التمور تصطف المشروبات بألوانها والتي يأتي في مقدمتها "شراب الخروب" وهو شراب يباع عادة في فلسطين في الساحات العامة والأسواق، أما في شهر رمضان الكريم فالأمر يختلف فيدخل هذا الشراب غالبية المنازل الفلسطينية وإلى جانبه تصطف أشربة (عرق السوس، وقمر الدين، والكركديه، والعصائر بأنواعها). وتزدان أسواق غزة الشعبية بمظاهر استقبال شهر الصيام، خصوصاً لدى باعة الحلويات وفطائر "القطايف" التي لا تكاد تخلو منها أية مائدة فلسطينية في رمضان. وتشتد المنافسة.. يحرص الإعلام الفلسطيني بدوره بكافة وسائله المختلفة على التفاعل اليومي والتواصل مع الجمهور في شهر رمضان الذي ما أن يهل حتى تبدأ وسائل الإعلام في عرض خريطتها الرمضانية والتعريف ببرامجها التي تُخاطب شرائح متعددة ليبدأ المتلقي بعدها رحلته في اختيار ما يُناسبه. واشتدت المنافسة بين الوسائل المكتوبة (الصحف الفلسطينية اليومية: القدس، والأيام، والحياة الجديدة) والمرئية والمسموعة (التلفزيون الفلسطيني وأكثر من 36 محطة مرئية وإذاعية خاصة في الضفة الغربية وغزة)، وتحاول كل وسيلة استقطاب أكبر عدد من الجمهور نحوها. احتلت البرامج الدينية الصدارة من خلال الوسائل المسموعة حيث انطلقت الإذاعات المنتشرة في أرجاء مدن الضفة الغربية وقطاع غزة في عرض برامجها الإذاعية الدينية، وقد اعتمدت في الكثير من برامجها على الإنتاج المحلي وهو الأمر الذي تميزت به عن الوسائل المرئية، حيث قامت المحطات المحلية الفلسطينية في نقل العديد من البرامج عن قنوات عربية. وربما كانت الوسائل المكتوبة من أكثر الوسائل تفاعلاً مع الجمهور، حيث أفردت الصحف اليومية صفحات رمضانية، ومنها ما أصدر ملاحق خاصة بهذه المناسبة. فها هو ملحق أيام رمضان يرافق صحيفة الأيام اليومية طيلة أيام شهر رمضان وهو عبارة عن 12 صفحة على صدر الصفحة الأولى صورة لرمضان حول العالم وتختلف هذه الصورة من يومٍ لآخر فرمضان هذا اليوم في كشمير ورمضان الغد في الهند وهكذا. أما الصفحة الثانية فتحتوي على زاوية لتقرير صحفي يتناول المدن الفلسطينية في رمضان كما تتناول الصفحة الثالثة زاوية "حديث رمضان" و"خلفاء راشدون"، وركن "لحديث نبوي شريف" وآخر من "آي الذكر الحكيم". وتحتوي الصفحة الرابعة على مسابقة أيام رمضان، أما الخامسة والسادسة والسابعة فيلتقي القارئ بتقارير ومواضيع دينية مختلفة، وتربع مطبخ رمضان على صدر الصفحة الثامنة، وعلى الصفحة التاسعة كان هناك ركن "لوحة من بدائع الخط العربي"، وزاوية "أخطاء في الصيام"، أما التسالي فكانت تنتظر القارئ في الصفحة العاشرة، والصفحة الحادية عشرة كانت عبارة عن استراحة رمضانية، والصفحة الأخيرة كانت للصور والإعلانات. كما كثف "تلفزيون فلسطين" هذا العام من برامجه واضعاً خطة تتناسب مع احتياجات المشاهدين وكافة الأذواق، وهو الأمر الذي أكده مدير عام البرامج في التلفزيون الفلسطيني عبد السلام أبو ندى، مشيراً إلى أن خطة برامج رمضان ستشكل انطلاقة تطويرية للتلفزيون الفلسطيني ليتناسب مع تطلعات وطموحات المشاهدين. وأوضح أبو ندى أن التلفزيون الفلسطيني راعى خصوصية المشاهد الفلسطيني، وراعى كذلك خصوصية شهر رمضان الكريم، وأضاف موضحاً: هناك برامج خاطبنا من خلالها الأسرى، وكنا عبارة عن حلقة تواصل بينهم وبين ذويهم، فبرنامج "إفطار خاص" عبارة عن مشاركة التلفزيون عائلات الأسرى طعام الإفطار ليشعر الأسير داخل السجن من خلال مشاهدته للبرنامج أنه مع عائلته. كما احتوت خريطة برامجنا على الأفلام الوثائقية التي تتحدث عن فلسطين وتاريخها، وبالطبع فإن البرامج الدينية كان لها النصيب الأكبر في الخطة الرمضانية، وحاولنا أن تكون البرامج منوعة ما بين الثقافي والسياسي والاجتماعي. ونوه أيضاً إلى أن التلفزيون الفلسطيني حاكى الفضائيات العربية في التركيز على الدراما والمسلسلات الحديثة مشدداً على وجود مسلسلات من الإنتاج الفلسطيني كالمسلسل الاجتماعي "الكنعاني". وتابع مستدركاً "أن 90% من الخطة الرمضانية هي من إنتاجنا وإعدادنا وهو أمر استنفد الكثير من وقتنا وجهدنا، وحاولنا أن نصل إلى ما يرضي المشاهد ونحن على يقين أن إرضاء المشاهدين غاية لا تدرك ففي حين يطلب أحدهم الدراما ينادي آخرون بالتركيز فقط على البرامج الدينية وغيرهم يريد المسابقات وهكذا". وعن أهم برامج تلفزيون فلسطين لهذا الشهر المبارك أوضح مدير عام البرامج أنه على الصعيد الديني هناك: "مفاهيم إسلامية، والدعاء المستجاب، وحديث الصيام، ومن سنة الإفطار، ومن شمائل محمد، ومن وصايا الرسول، والصحة والدين، وصوموا تصحوا، وعادات وعبادات". وعلى صعيد الدراما هناك المسلسل الدرامي الفلسطيني "الكنعاني"، إلى جانب بعض المسلسلات صاحبة الإنتاج العربي. وسيطرت البرامج الثقافية وبرامج المنوعات على شاشة تلفزيون فلسطين ومنها: "احنا وانتو- أعلى أسرع أقوى- من غير ميعاد- هات وخد- كوم تيك- محطات- طلات من القدس". سـحـقــا ً لأطـفــالـ الـعــالمـ إذا لمـ يـبـتسـمـ طـفــلـ ٌ فـلـسـطـيـنـيـ |
عدل سابقا من قبل براء علي في 28/12/2008, 9:27 am عدل 4 مرات